ن س ر تنومـــة
09-01-2014, 03:01 PM
يقول أحد الأشخاص كان لي صاحب ارتميت و إياه في أحضان الصداقة منذ نعومة أظافرنا ، فقد كان ابن قبيلتنا وتربينا سوياً *و درجنا في عرصات قريتنا الهادئة ، كما و درسنا المراحل الإبتدائية و المتوسطة و الثانوية في الحواضر القريبة من القرية . و بعد التخرج من الثانوية افترقنا عقوداً طويلة *نبني فيها مستقبلنا المهني، فقدر الله لي أن أتعين مدرساً بالقرب من القرية و هو يتعين مهندساً في العاصمة ، و انقطعت وشائج الصداقة التي بيننا ، و انزوت تلك الأيام الجميلة في ردهات الذاكرة العميقة بعد أن كانت صداقتنا و وفائنا و نقاء سيرتنا مضرب المثل في قريتنا الحبيبة !!
و شاء الله أن ألتقي به بعد تلك السنين الطويلة في مناسبة كبيرة جمعت أبناء القبيلة في العاصمة . و قد رمقته مقبلاً في جمعٍ من البشر ، و هو معتمراً مشلحه السكري و متوشحا شماغه الأبيض ، و ساعته الذهبية يبرق لمعانها في عيون الحضور و فوحان عطره يصرع أرنبة الأنوف، و قد كان منهمكاً في مكالمة هاتفية *يغلب عليها صراع المصالح و تخارش الذئاب،و يبدو أن تلك المكالمة جعلته ينشغل عن كل من يقابل. و بعد أن أنهى تلك المكالمة الساخنة ، *تسللت من بين الحضور و مشيت مشية السرحان ، و أخذت أنادي كالعقاب *بصوت متهدجٍ غلبته فرحة اللقاء ( يا معيض .....يا معيض). و بعد محاولات يائسة *عديدة التفت إلي صاحبي *قائلاً ( سم يا بوي وش تبي). فقلت له ( معيض أنت عرفتني) قال بصوتٍ متصنع : ( لا والله ما عرفتك) ، فقلت له (تذكر عبدالله صديق طفولتك *في القرية !).*
حدٌق إلي بوجهٍ عبثت به عواصف تعرية السنين ، و أطلق بريق ابتسامته و قال ( نعم عرفتك) و صافحني ببرود و أمطرني *بقليل من كلمات الحفاوة، و لكن ابتسامته ، هي التي غطت على قصور ترحيبه و حفاوته بي ... *و ختم لقاءه معي بسؤالٍ عن الفندق الذي أقطنه *، فقلت له ( اسكن في حي الملز) ، فقال ( حسناً سوف ارسل لك السائق لو احتجت الذهاب للمطار ) ، فأيقنت أن صاحبي مستعجل على ترحيلي للقرية !!
و عندها اختصرت ما كان يعتلج في خاطري من حسرة *في عبارة انفجرت من *بين جوانحي كالبركان قلت فيها ( كل شيء تغير فيك إلا ابتسامتك يا معيض ، فهي علامتك الفارقة التي تميزك عن الآخرين ، و هي بصيص الأمل الذي يستدعي قوافل الذكريات في مفترق الطرق!!).
و عندها أشاح بوجهه عني و توجه للحضور يدعوهم لزيارته في مزرعته الخاصة ، و عدت قافلاً إلى القرية، و معي بين جوانحي جبالاً من الحسرة و الأسى على انهيار تلك الصداقة .
القصة السابقة *تحكي واقعين لشخصين في ضفتين متعاكستين في نهر الحياة الجاري ، فكلاهما تربيا في في بيئة القرية الخالية من التعقيدات ، و القريبة من نقاء الفطرة ، إلا أن طرفي المعادلة الحياتية يعكس حياة شخص متشبث بالصداقة و طهرها ، و شخص آخر جعل من براغماتية المصالح بديلاً متلوناً عن القيم و الصداقة ، و يرى أن كل شئ يقاس بالمال و البهرج و الجاه.
لكن فلسفة الشخص الأول يرى أن النفس البشرية يغلب عليها الخير ، و إن هزتها الزوابع المادية ، فهو يرى أن ابتسامة قرينه الثاني هي رمز النقاء و الصفاء الذي بقي من ميراث الصداقة التي بنياها لبنة لبنة في جدران و زوايا القرية العتيقة . و ربما رأى الابتسامة بأنها مفتاح شخصية صاحبه الغافل عنه ، و لربما تسببت تلك الابتسامة في إذابة تكلسات المصالح التي أحاطت بالقلب و سويدائه ، و جعلت صاحبه متلبساً بجنون الشهرة و حب البروز.
و لاشك أن الانسان مهما تغيرت أحواله ، و ابتعد عن موارد الفطرة الصافية ، فلابد و أن*
يتشبث بخصلة خيرة من تلك الفطرة التي تربى عليهافي أزمنة الطفولة البريئة ؛ فقد ترى شخصاً يغلب عليه الخلق الحسن و هو ليس في عداد الصالحين ، وآخر قد تجده كريماً مغدقاً *و نفسه تعج بالموبقات و المتناقضات !!!!
إذن علينا أن نملك مهارة التنقيب في نفوس البشر ؛ حتى نستخرج الخصال الطيبة التي لم تلوثها براثن الحياة ، والتي من خلال تلك الخصال نستطيع بناء جسور محبة بيننا و بينهم ، حتى نعيش معهم في سلام و وئام، و نحافظ على سفينة الحياة من الغرق. دمتم بخير.*
*
و شاء الله أن ألتقي به بعد تلك السنين الطويلة في مناسبة كبيرة جمعت أبناء القبيلة في العاصمة . و قد رمقته مقبلاً في جمعٍ من البشر ، و هو معتمراً مشلحه السكري و متوشحا شماغه الأبيض ، و ساعته الذهبية يبرق لمعانها في عيون الحضور و فوحان عطره يصرع أرنبة الأنوف، و قد كان منهمكاً في مكالمة هاتفية *يغلب عليها صراع المصالح و تخارش الذئاب،و يبدو أن تلك المكالمة جعلته ينشغل عن كل من يقابل. و بعد أن أنهى تلك المكالمة الساخنة ، *تسللت من بين الحضور و مشيت مشية السرحان ، و أخذت أنادي كالعقاب *بصوت متهدجٍ غلبته فرحة اللقاء ( يا معيض .....يا معيض). و بعد محاولات يائسة *عديدة التفت إلي صاحبي *قائلاً ( سم يا بوي وش تبي). فقلت له ( معيض أنت عرفتني) قال بصوتٍ متصنع : ( لا والله ما عرفتك) ، فقلت له (تذكر عبدالله صديق طفولتك *في القرية !).*
حدٌق إلي بوجهٍ عبثت به عواصف تعرية السنين ، و أطلق بريق ابتسامته و قال ( نعم عرفتك) و صافحني ببرود و أمطرني *بقليل من كلمات الحفاوة، و لكن ابتسامته ، هي التي غطت على قصور ترحيبه و حفاوته بي ... *و ختم لقاءه معي بسؤالٍ عن الفندق الذي أقطنه *، فقلت له ( اسكن في حي الملز) ، فقال ( حسناً سوف ارسل لك السائق لو احتجت الذهاب للمطار ) ، فأيقنت أن صاحبي مستعجل على ترحيلي للقرية !!
و عندها اختصرت ما كان يعتلج في خاطري من حسرة *في عبارة انفجرت من *بين جوانحي كالبركان قلت فيها ( كل شيء تغير فيك إلا ابتسامتك يا معيض ، فهي علامتك الفارقة التي تميزك عن الآخرين ، و هي بصيص الأمل الذي يستدعي قوافل الذكريات في مفترق الطرق!!).
و عندها أشاح بوجهه عني و توجه للحضور يدعوهم لزيارته في مزرعته الخاصة ، و عدت قافلاً إلى القرية، و معي بين جوانحي جبالاً من الحسرة و الأسى على انهيار تلك الصداقة .
القصة السابقة *تحكي واقعين لشخصين في ضفتين متعاكستين في نهر الحياة الجاري ، فكلاهما تربيا في في بيئة القرية الخالية من التعقيدات ، و القريبة من نقاء الفطرة ، إلا أن طرفي المعادلة الحياتية يعكس حياة شخص متشبث بالصداقة و طهرها ، و شخص آخر جعل من براغماتية المصالح بديلاً متلوناً عن القيم و الصداقة ، و يرى أن كل شئ يقاس بالمال و البهرج و الجاه.
لكن فلسفة الشخص الأول يرى أن النفس البشرية يغلب عليها الخير ، و إن هزتها الزوابع المادية ، فهو يرى أن ابتسامة قرينه الثاني هي رمز النقاء و الصفاء الذي بقي من ميراث الصداقة التي بنياها لبنة لبنة في جدران و زوايا القرية العتيقة . و ربما رأى الابتسامة بأنها مفتاح شخصية صاحبه الغافل عنه ، و لربما تسببت تلك الابتسامة في إذابة تكلسات المصالح التي أحاطت بالقلب و سويدائه ، و جعلت صاحبه متلبساً بجنون الشهرة و حب البروز.
و لاشك أن الانسان مهما تغيرت أحواله ، و ابتعد عن موارد الفطرة الصافية ، فلابد و أن*
يتشبث بخصلة خيرة من تلك الفطرة التي تربى عليهافي أزمنة الطفولة البريئة ؛ فقد ترى شخصاً يغلب عليه الخلق الحسن و هو ليس في عداد الصالحين ، وآخر قد تجده كريماً مغدقاً *و نفسه تعج بالموبقات و المتناقضات !!!!
إذن علينا أن نملك مهارة التنقيب في نفوس البشر ؛ حتى نستخرج الخصال الطيبة التي لم تلوثها براثن الحياة ، والتي من خلال تلك الخصال نستطيع بناء جسور محبة بيننا و بينهم ، حتى نعيش معهم في سلام و وئام، و نحافظ على سفينة الحياة من الغرق. دمتم بخير.*
*