الســـــــتر
يُحكى أن عقبة بن عامر -رضي الله عنه-
كان له كاتب، وكان جيران هذا الكاتب يشربون الخمر؛
فقال يومًا لعقبة: إنَّ لنا جيرانًا يشربون الخمر،
فقال له عقبة: لا تفعل وعِظْهُمْ.
فقال الكاتب: إني نهيتهم فلم ينتهوا،
وأنا داعٍ لهم الشرطة ليأخذوهم،
فقال له عقبة: ويحك. لا تفعل؛ فإني سمعتُ
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(من رأى عورة فسترها كان كمن أحيا موءودة)
*يحكى أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-
جلس بين مجموعة من أصحابه،
وفيهم جرير بن عبد الله -رضي الله عنه-
وبينما هم جالسون أخرج أحد الحاضرين ريحًا،
وأراد عمر أن يأمر صاحب ذلك الريح أن يقوم فيتوضأ،
فقال جرير لعمر: يا أمير المؤمنين،
فسُرَّ عمر بن الخطاب من رأيه
وقال له: رحمك الله. نِعْمَ السيد كنت في الجاهلية،
ونعم السيد أنت في الإسلام.
الستر هو إخفاء ما يظهر من زلات الناس
الله -سبحانه- سِتِّير يحب الستر،
ويستر عباده في الدنيا والآخرة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ثم يقول: إني سترتُ عليك في الدنيا،
(إنَّ الله -عز وجل- حَيِي ستِّير، يحب الحياء والستر)
[أبوداود والنسائي وأحمد].
الستر له أنواع كثيرة، منها:
ولا يكشفها لأحد لا يحل له أن يراها.
{والذين هم لفروجهم حافظون .
إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين}
وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم:
يا رسول الله، عوراتنا ما نأتي وما نذر؟
(احفظ عورتك إلا من زوجك أو ما ملكت يمينك).
فقال السائل: يا نبي الله،
إذا كان القوم بعضهم في بعض؟
فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
(إن استطعتَ أن لا يراها أحد، فلا يرينَّها).
قال السائل: إذا كان أحدنا خاليًا؟
فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
(فالله أحق أن يستحيا منه من الناس)
[أبوداود والترمذي وابن ماجه].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
(لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة) [مسلم].
أما ما تفعله كثير من النساء اليوم
بكل سفور وتبرج، فإنما ذلك إثم كبير
والمسلمة الملتزمة أبعد ما تكون عن ذلك؛
لأنها تصون جسدها وتلتزم بحجابها.
يجب على المسلم إذا أراد أن يغتسل أو يستحم أن يستتر؛
حتى لا يطَّلع على عورته أحد لا يحق له الاطلاع عليها
، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم
إذا أراد أن يغتسل استتر عن الناس،
وقد قال صلى الله عليه وسلم:
(إن الله -عز وجل- حيي ستير يحب الحياء والستر،
فإذا اغتسل أحدكم فليستتر)
[أبوداود والنسائي وأحمد].
إذا أراد المسلم أن يقضي حاجته من بول أو غائط
(براز)، فعليه أن يقضيها في مكان لا يراه فيه أحد من البشر؛
حتى لا يكون عرضة لأنظار الناس.
وليس من الأدب ما يفعله بعض الصبية من التبول في الطريق،
فقد مر النبي صلى الله عليه وسلم بالقبور
فسمع صوت اثنين يعذبان في قبريهما،
(إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير؛
أما أحدهما فكان لا يستتر من البول،
وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة)
المسلم يستر ما يدور بينه وبين أهله،
فلا يتحدث بما يحدث بينه وبين زوجته من أمور خاصة،
أمرنا الدين الحنيف بكتمانها،
وعدَّها الرسول صلى الله عليه وسلم أمانة
لا يجوز للمرء أن يخونها بكشفها، وإنما عليه أن يسترها.
(إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة
الرجل يُفْضِي إلى امرأته،
وتُفْضِي إليه ثم يَنْشُرُ سرها)
المسلم لا يبتغي بصدقته إلا وجه الله -سبحانه-،
لذا فهو يسترها ويخفيها حتى لا يراها أحد
{الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرًّا وعلانية
فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم
كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم
أن أَحَدَ السبعة الذين يظلُّهم الله في ظله يوم القيامة
حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه.
(صدقة السر تطفئ غضب الرب)
إذا رأى المؤمن في نومه رؤيا حسنة فليستبشر بها،
وليذكرها لمن أحب من إخوانه الصالحين،
أما إذا رأى رؤيا سيئة يكرهها فليتفل عن يساره ثلاث مرات،
ويتعوذ بالله من شر هذه الرؤيا،
ولا يذكرها لأحد، وليعلم أنها من الشيطان،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(الرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان؛
فإذا رأى أحدكم شيئًا يكرهه فلينفث عن يساره ثلاث مرات
إذا استيقظ، وليتعوذ بالله من شرها
فإنها لن تضره إن شاء الله)
: إذا تحدث المؤمن في نفسه بشَرٍّ،
لكنه عاد إلى رشده؛ فإن عليه ألا يذكر ما جال بخاطره
وما حدثتْه به نفسه من الشر.
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(إن الله -عز وجل- تجاوز لأمتي عما حدثتْ به أنفسها
إذا أراد المسلم أن يستر أخاه،
فإن هناك شروطًا لابد أن يراعيها عند ستره؛
حتى يحقق الستر الغرض المقصود منه،
* أن يكون الستر في موعده المحدد له
؛ فيستر المسلم أخاه عند فعله للمعصية وبعدها
، بألا يتحدث للناس بأن فلانًا يرتكب المعاصي.
* أن تكون المعصية التي فعلها المسلم لا تتعلق بغيره
أما إذا وصل الضرر إلى الناس فهنا يجب التنبيه
* أن يكون الستر وسيلة لإصلاح حال المستور
بأن يرجع عن معصيته ويتوب إلى الله -تعالى-،
أما إذا كان المستور ممن يُصِرُّ على الوقوع في المعصية
فهنا يجب عدم ستره حتى لا يترتب على الستر
* ألا يكون الستر وسيلة لإذلال المستور
واستغلاله وتعييره بذنوبه.
* ألا يمنع الستر من أداء الشهادة إذا طلبت،
{ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه}
* الستر مرهون برد المظالم،
فإذا لم ترد فالساتر شريك للمستور
حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على ستر العورات؛
فقال: (لا يستر عبدٌ عبدًا في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة)
(من ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة)
فهكذا يكون الستر في الآخرة
نتيجة لما يقوم به المسلم من ستر لأخيه في الدنيا،
والثواب يكون في الدنيا أيضًا،
فقد قال صلى الله عليه وسلم:
(ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة)
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(لا يرى مؤمن من أخيه عورة فيسترها عليه،
إلا أدخله الله بها الجنة)
المسلم إذا فعل ذنبًا فإنه يبادر بالتوبة والاستغفار
حتى يعافيه الله ويتوب عليه
، أما الذين لا يندمون على ذنوبهم بل إنهم يتباهون بالمعصية،
فإن هؤلاء لا يعافيهم الله،
وقد سماهم النبي صلى الله عليه وسلم المجاهرين،
(كل أمتي معافًى إلا المجاهرين،
وإن من المجاهرة، أن يعمل الرجل بالليل عملا
فيقول: يا فلان، قد عملتُ البارحة كذا وكذا
والذين لا يسترون الناس ويشيعون بينهم الفاحشة،
فإن لهم العذاب الأليم من الله تعالى
{إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم
عذاب أليم في الدنيا والآخرة
والله يعلم وأنتم لا تعلمون}
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
(ومن كشف عورة أخيه المسلم كشف الله عورته
فالمسلم دائمًا يتصف بالستر للآخرين
اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم
(المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسْلِمُه،
ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته،
ومن فرَّج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات
يوم القيامة، ومن ستـر مسلمًا ستره الله يـوم القيامة)
|