حياة
حسان بن
ثابت قبل اﻹسﻼم
هو أبو الوليد
حسان بن
ثابت من قبيلة الخزرج التي هاجرت من*
اليمن إلى الحجاز وأقامت في المدينة مع اﻷوس . ولد في المدينة قبل*
مولد النبي بنحو ثماني سنين ، عاش في الجاهلية ستين سنة ، وفي*
اﻹسﻼم ستين أخرى . شب في بيت وجاهة وشرف منصرفا إلى اللهو*
والشرب والغزل . فأبوه
ثابت بن المنذر بن حرام الخزرجي ، من*
سادة قومه وأشرافهم . وأمه " الفريعة " خزرجية مثل أبيه .*
وحسان بن
ثابت ليس خزرجيا فحسب بل هو أيضا من بني النجار*
أخوال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فله به صلة وقرابة .
وكانت المدينة في الجاهلية ميدانا للنـزاع بين اﻷوس والخزرج ،*
تكثر فيها الخصومات والحروب ، وكان قيس بن الخطيم شاعر اﻷوس*
، وحسان بن
ثابت شاعر الخزرج الذي كان لسان قومه في تلك*
الحروب التي نشبت بينهم وبين اﻷوس في الجاهلية ، فطارت له في*
البﻼد العربية شهرة واسعة .
وقد اتصل
حسان بن
ثابت بالغساسنة ، يمدحهم بشعره ، ويتقاسم هو*
والنابغة الذبياني وعلقمة الفحل أعطيات بني غسان . فقد طابت له*
الحياة في ظل تلك النعمة الوارف ظﻼلها . ثم اتصل ببﻼط الحيرة*
وعليها النعمان بن المنذر ، فحل محل النابغة ، حين كان هذا اﻷخير*
في خﻼف مع النعمان ، إلى أن عاد النابغة إلى ظل أبي قابوس*
النعمان ، فتركه
حسان مكرها ، وقد أفاد من احتكاكه بالملوك معرفة*
بالشعر المدحي وأساليبه ، ومعرفة بالشعر الهجائي ومذاهبه . ولقد*
كان أداؤه الفني في شعره يتميز بالتضخيم والتعظيم ، واشتمل على*
ألفاظ جزلة قوية .*
وهكذا كان في تمام اﻷهبة لﻼنتقال إلى ظل محمد صلى الله عليه وسلم*
نبي اﻹسﻼم ، والمناضلة دونه بسﻼحي مدحه وهجائه .
حياة
حسان بن
ثابت في اﻹسﻼم
لما بلغ
حسان بن
ثابت الستين من عمره ، هاجر إلى مدينة المصطفى*
صلى الله عليه وسلم، فدخل في اﻹسﻼم . وراح من فوره يرد هجمات*
القرشيين اللسانية ، ويدافع عن محمد واﻹسﻼم ، ويهجو*
خصومهما . قال صلى الله عليه وسلم يوما لﻸنصار :*
" ما يمنع القوم الذين نصروا رسول الله بسﻼحهم أن ينصروه*
بألسنتهم ؟ " فقال
حسان بن
ثابت : أنا لها ، وأخذ بطرف لسانه ،*
وقال عليه السﻼم :*
" والله ما يسرني به مِقْول بين بصرى وصنعاء "
. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يثني على شعر
حسان ،*
وكان يحثه على ذلك ويدعو له بمثل :" اللهم أيده بروح القدس"*
عطف عليه ، وقربه منه ، وقسم له من الغنائم والعطايا . إﻻ أن*
حسان بن
ثابت لم يكن يهجو قريشا بالكفر وعبادة اﻷوثان ، إنما كان*
يهجوهم باﻷيام التي هزموا فيها ويعيرهم بالمثالب واﻷنساب . ولو*
هجاهم بالكفر والشرك ما بلغ منهم مبلغا . .*
حادثة اﻹفك : إمتدح
حسان أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بأشعار*
يمدحها بها مدحا رائعا مثل قوله :
حصان رزان ما تزن بريبة وتصبح غرثى من لحوم*
الغوافل
فإن كان ما قد قيل عني قلته فﻼ رفعت سوطى إلي*
أنامـل
وقال أيضا :
أمسى الجﻼبيب قد عزوا وقد كثروا وابن الفريعة*
أمسى بيضة البلد
آثار
حسان بن ثابت*
اتفق الرواة والنقاد على أن
حسان بن
ثابت أشعر أهل المدر في عصره ، وأشعر أهل اليمن قاطبة .
ومن خﻼل شعر
حسان بن
ثابت نجد أن الشعر اﻹسﻼمي اكتسب رقة في التعبير بعد أن عمر اﻹيمان قلوب الشعراء ، وهي شديدة التأثير بالقرآن الكريم والحديث الشريف مع وجود اﻷلفاظ البدوية الصحراوية . ومهما استقلت أبيات
حسان بن
ثابت بأفكار وموضوعات خاصة فإن كﻼ منها يعبر عن موضوع واحد ، هو موضوع الدعوة التي أحدثت أكبر تغيير فكري في حياة الناس وأسلوب معاشهم . وسنقسم شخصية
حسان بن
ثابت الشعرية إلى أربعة أقسام هي :
1.
حسان شاعر القبيلة : قبل أن يدخل
حسان بن
ثابت في اﻹسﻼم ، كان منصرفا إلى الذود عن حياض قومه بالمفاخرة ، فكان شعره النضال القبلي تغلب عليه صبغة الفخر. أما الداعي إلى ذلك فالعداء الذي كان ناشبا بين قبيلته واﻷوس . ولقد كان فخر
حسان لنفحة عالية ، واندفاعا شديدا .
2.
حسان شاعر التكسب : اتصل
حسان بالبﻼط الغساني ، فمدح كثيرا من أمراء غسان أشهرهم عمرو الرابع بن الحرث ، وأخوه النعمان ، وﻻسيما جبلة بن اﻷيهم . وقد قرب الغساسنة الشاعر وأكرموه وأغدقوا عليه العطايا ، وجعلوا له مرتبا سنويا وكان هو يستدر ذلك العطاء بشعره :*
يسقون من ورد البريص عليهم بردى يصفق بالرحيق السلـل
بيض الوجوه كريمة أحسابهم شم اﻷنوف من الطراز اﻷول
3.
حسان شاعر اﻹسﻼم : نصب
حسان نفسه للدفاع عن الدين اﻹسﻼمي ، والرد على أنصار الجاهلية ، وقد نشبت بين الفريقين معارك لسانية حامية ، فكان الشعر شعر نضال يهجى فيه اﻷعداء ، ويمدح فيه رجال الفريق ، ولم يكن المدح وﻻ الهجاء للتكسب أو اﻻستجداء ، بل للدفاع عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم . وهذا ينقسم لقسمين :
· أما المدح الذي نجده في شعر
حسان لهذا العهد فهو مقصور على النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه وكبار الصحابة ، والذين أبلوا في الدفاع عن اﻹسﻼم بﻼء حسنا.وهو يختلف عن المدح التكسبي بصدوفه عن التقلب على معاني العطاء والجود ، واﻻنطواء على وصف الخصال الحميدة ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، وما إلى ذلك مما ينبثق من العاطفة الحقة والعقيدة النفسية ، قال
حسان :
نبي أتانا بعد يأس وفترة من الرسل واﻷوثان في اﻷرض تعبد
فأمسى سراجا مستنيرا وهاديا يلوح كما ﻻح الصقيل المهنـد
وأنذرنا نارا وبشر جــنة وعلمنا اﻹسﻼم ، فالله نحــمد
وأنت إله الخلق ربي وخالقي بذلك ما عمرت في الناس أشهد
ويلحق بهذا المدح رثاء محمد صلى الله عليه وسلم ، فقد ضمنه الشاعر لوعة وذرف دموعا حارة ، وتذكرا ﻷفضال رسول الدين الجديد ، وحنيا للقائد في النعيم :
مع المصطفى أرجو بذاك جواره وفي نيل ذلك اليوم أسعى وأجهد
· وأما الهجاء النضالي : فقد وجهه إلى القرشيين الذين قاموا في وجه الدين الجديد يحاربونه ويهجون محمدا صلى الله عليه وسلم . وكان موقف الشاعر تجاههم حربا لما بينهم وبين محمد من نسب . أما أسلوبه في هجائه فقد كان يعمد إلى الواحد منهم فيفصله عن الدوحة القرشية ، ويجعله فيهم طائرا غريبا يلجأ إليها كعبد ، ثم يذكر نسبه ﻷمه فيطعن به طعنا شنيعا ، ثم يسدد سهامه في أخﻼق الرجل وعرضه فيمزقها تمزيقا في إقذاع شديد ، ويخرج ذلك الرجل موطنا للجهل والبخل والجبن ، والفرار عن إنقاذ اﻷحبة من وهدة الموت في المعارك .قال
حسان هاجبا بني سهم بن عمرو :
والله ما في قريش كلها نفر أكثر شيخا جبانا فاحشا غمرا
هذر مشائيم محروم ثويهم إذا تروح منهم زود القـمرا
لوﻻ النبي ، وقول الحق مغضبة لما تركت لكم أنثى وﻻ ذكرا
ويقول في مقطوعة يعير قريشا فيها بهزيمتها يوم بدر :
فينا الرسول وفينا الحق نتبعه حتى الممات ونصر غير محدود
مستعصمين بحبل غير منجذم مستحكم من حبال الله ممدود
من جانب آخر ، فإننا نبعد عن
حسان بن
ثابت ما اتهمه الرواة به ، وأﻻ نقبل من شعره إﻻ ما يغلب عليه اﻹقذاع باﻷيام واﻷنساب .
قيمة شعر
حسان بن ثابت
شعر
حسان بن
ثابت طبع مندفع ، وقريحة هائجة . ومن جوانب قيمة شعره :
1. القيمة الفنية :
حسان بن
ثابت شاعر شديد التأثر ، قوي العاطفة ، يفوته التأني ، ولهذا ترى شعره يتدفع تدفعا ، متتبعا في ذلك الطبع والفطرة ﻻ الصنعة والتعمل . ومن ثم تلقى شعره خاليا من كل ما يتطلب النظر الهادئ المتفحص ، فمطالعه مقتضبة اقتضابا شديدا ، يسرع في اﻻنتقال منها إلى موضوعة الذي تحتدم به نفسه ، وانتقاله غير بارع عادة . ثم إن كﻼمه يخلو من الترتيب والتساوق لما في عاطفته في فوران . وهذا الفوران نفسه يحول دون التنقيح . وقد نتج عن ذلك لين وضعف في شعره اﻹسﻼمي خصوصا ، لتقدمه في السن ولما كان هنالك من أحوال مثيرة للعاطفة وقد حمي النضال واستعر القتال ، وﻻنصراف الشاعر إلى اﻻرتجال والسرعة في القول والتدقيق الموضوعي بذكر الغزوات وأربابها . وقد يكون بعض ذلك الضعف ناتجا عما أضيف إلى ديوان
حسان بن
ثابت من الشعر المنحول . ويخلو شعره من الوصف والتمثيل اللذين كانا في الشعر الجاهلي عموما . إﻻ أنه ﻻ يخلو على كل حال من اﻻندفاع العاطفي العنيف ، والصدق في ذلك اﻻندفاع ، وانتفاض العصب في اﻷبيات التي تنطلق أحيانا كالسهام أو كالسيل الذي يجرف السخط والهيجان ، والكﻼم المقذع الذي يهشم تهشيما . وإننا نلمس في كﻼم
حسان أثرا للدين الجديد وللقرآن ، وذلك ظاهر في المعاني الجديدة من ارتياح إلى المصير ، وتفصيل بعض العقائد والشعائر من توحيد وتنزيه وثواب وعقاب ، وذلك ظاهر أيضا في اﻷلفاظ التي أعطاها اﻹسﻼم إيحاء جديدا ، ونثرها
حسان في شعره . ولقد حق بعد ذلك أن يقال أن
حسان بن
ثابت هو مؤسس الشعر الديني في اﻹسﻼم .
2. القيمة التاريخية : لشعر
حسان ، فضﻼ عن القيمة الفنية ، قيمة تاريخية كبرى ، فهو مصدر من مصادر تاريخ تلك اﻷيام ، يسجل مآتي الغساسنة ويصف غزواتهم وممتلكاتهم ، ويسجل أحداث الفجر اﻹسﻼمي ، ويطلعنا على أخبار محمد صلى الله عليه وسلم في غاراته وغزواته وفتح مكة ، كما يطلعنا على أسماء الصحابة وأعداء اﻹسﻼم . وهكذا كان
حسان بن
ثابت شاعرا ومؤرخا كما كان شعره فاتحة للشعر السياسي الذي ازدهر في عهد بني أمية .
pshk fk ehfj «C fk pshk